الصفحات
▼
الجمعة، 14 نوفمبر 2014
تعز تفجر خلافا حادا بين صالح والحوثيين
يمن فويس ( أحمد الشميري ) عكاظ :
نقلت صحيفة «عكاظ» السعودية عن مصادر سياسية أن خلافات نشبت مؤخرا بين حزب المؤتمر وجماعة الحوثي حول تشكيلة حكومة الكفاءات، أبرزها إعلان الحوثيين تأييدهم لحكومة بحاح.
وأفاد المصدر أن الخلافات بين المؤتمر والحوثي بدأت برفض الأخير مطالب علي عبدالله صالح بالسيطرة على محافظة تعز، رفع المخيمات الحوثية من الشوارع، وإعادة مقرات حزب الإصلاح وبعض المنازل لأصحابها.
من جهتها، توقعت مصادر رسمية يمنية صدور قرارات وتغييرات حكومية في غضون أيام، من بينها تعيينات تشمل الوزارات الثلاث التي لم تشغل بسبب اعتذار وزراء المؤتمر الشعبي، وتعيينات عسكرية وأمنية ودبلوماسية.
وأوضحت أن الوزراء الذين سيشغلون الحقائب الشاغرة، أبرزهم القيادي المنشق عن حزب الرئيس السابق أحمد الميسري وزيرا لشؤون مجلس النواب والشورى بدلا من أحمد الكحلاني، طلال عقلان وزيرا الشؤون الاجتماعية والعمل بدلا من قبول المتوكل، وحسين الشامي وزيرا للخدمة المدنية بدلا من أحمد لقمان.
اول انتصار لوزير الدفاع ازاحة الاشول وتعيين علي محسن لهيئة الأركان العامة
هنا عدن - العربي الجديد
حسم الرئيس، عبد ربه منصور هادي، أمره بشأن تعيين رئيس جديد لهيئة الأركان العامة بدلاً من اللواء أحمد علي الأشول، الذي يشغل المنصب منذ صيف العام 2006، بحسب ما علم "العربي الجديد" من مصادر موثوقة في الرئاسة.
وكشفت المصادر عن أن "الشخصية البديلة للأشول هي اللواء الركن علي محسن علي مثنّى، الذي يشغل قائد المنطقة العسكرية السابعة منذ إبريل/ نيسان 2013".
ومثنّى مواليد عام 1967، يتحدّر من منطقة "رُصابة" التابعة لمحافظة ذمار، وحاصل على بكالوريوس علوم عسكرية من الكلية الحربية بصنعاء، ثم ماجستير علوم عسكرية بدرجة ممتاز، كما حاز على زمالة كلية الحرب العليا بدرجة ممتاز بترتيب الأول على الدورة.
وترقّى مثنّى بعد تخرجه من قائد فصيلة إلى قائد سرية صاعقة، ثم عيّن قائداً لبطارية فنية صاروخية أرض ـ أرض توشكا، وإلى قائد كتائب الأسكود (آر 17)، فقائد للواء الأسكود (آر 17)، إلى أن عيّن، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، قائداً لمجموعة ألوية الصواريخ، وتم تجديد تعيينه في المنصب نفسه في 2012، إلى أن صدر التقسيم الجديد للمناطق العسكرية للبلاد ليتم تعيينه قائداً للمنطقة السابعة.
وتأتي هذه التغييرات بعد تعيين وزير جديد للدفاع، هو اللواء محمود الصُبيحي، خلفاً للواء محمد ناصر أحمد، الذي انتقل مع أسرته إلى خارج الوطن، وسط أنباء عن احتمال تعيينه سفيراً أو ملحقاً عسكرياً في دولة غربية.
ومثنّى مواليد عام 1967، يتحدّر من منطقة "رُصابة" التابعة لمحافظة ذمار، وحاصل على بكالوريوس علوم عسكرية من الكلية الحربية بصنعاء، ثم ماجستير علوم عسكرية بدرجة ممتاز، كما حاز على زمالة كلية الحرب العليا بدرجة ممتاز بترتيب الأول على الدورة.
وترقّى مثنّى بعد تخرجه من قائد فصيلة إلى قائد سرية صاعقة، ثم عيّن قائداً لبطارية فنية صاروخية أرض ـ أرض توشكا، وإلى قائد كتائب الأسكود (آر 17)، فقائد للواء الأسكود (آر 17)، إلى أن عيّن، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، قائداً لمجموعة ألوية الصواريخ، وتم تجديد تعيينه في المنصب نفسه في 2012، إلى أن صدر التقسيم الجديد للمناطق العسكرية للبلاد ليتم تعيينه قائداً للمنطقة السابعة.
وتأتي هذه التغييرات بعد تعيين وزير جديد للدفاع، هو اللواء محمود الصُبيحي، خلفاً للواء محمد ناصر أحمد، الذي انتقل مع أسرته إلى خارج الوطن، وسط أنباء عن احتمال تعيينه سفيراً أو ملحقاً عسكرياً في دولة غربية.
وفي تعليقات على خبر القرار اعتبر سياسين انه اول انتصار يحققه وزير الدفاع الحالي اللواء محمود الصبيحي
الصراع بين العلم والدين
قبل أكثر من أربعين عاماً بعد تخرجي من كلية الطب، استولت علي فكرة كانت تتخمر على مدى سنوات طويلة، وهي محاولة رؤية الطب في منظار جديد، بل رؤية كافة العلوم في هذا الضوء. والذي حرك هذا الموضوع عندي، هو نصف آية من القرآن جاء ذكرها عرضاً بشكل خجول متردد في كتاب الفسيولوجيا، ذلك العلم الجميل الذي كنا نتعرف عليه في ذلك الوقت.
الآية أو بالأحرى نصف الآية، هي: (وجعلنا من الماء كل شيء حي).
ما أثار انتباهي في ذلك الوقت، أن الآية لم تذكر حتى نهايتها؛ مع أن الآية ذكرت من أجل الوصول إلى تقرير جدوى ومغزى الآية، ونهايتها كلمتان فقط (أفلا يؤمنون). لقد أثارت هاتان الكلمتان عندي زوبعة فكرية في محاولة اكتشاف العلاقة بين العلم والإيمان، في البيولوجيا، في الفيزياء النووية، في الكوسمولوجيا، في علم مباحث الأعصاب الحديثة، في التطور، في الجنس، في التسلح النووي، في السلم والحرب والأمن الدولي، في التعليم، في قضية المرأة، في الكفاح الأخلاقي، في علم النفس الحديث، في دورة الاقتصاد، في مشكلة العنف واللاعنف، في الأنثروبولوجيا، في علم الجينات وجراحة الكروموسومات، الذي يشكل علم المستقبل، والذي هو أخطر من السلاح النووي، جعلني كل هذا أنكب على دراسة هذه الظاهرة، في محاولة لبناء فلسفي جديد، يدخل فيها العقل المسلم المعاصرة، ويتكيف معها بعد أن يهضمها ويتمكن منها، لينتقل بعد ذلك إلى الإبداع فيها.
لذلك كتبت كتابي الأول في حياتي (الطب محراب للإيمان - جزء أول)، وبعدها بأربع سنوات الجزء الثاني من نفس الكتاب، الذي طورت فيه البحث خطوة جديدة في رسم معالم فلسفة إسلامية معاصرة للتعامل مع العلوم الجديدة التي تخترق فضاءات جديدة للمعرفة كل يوم.
كانت مزية الكتاب هي أنه اقتحم مجالاً جديداً كان رائداً في وقته، ولا يزال يتمتع بصلابة، حتى وقت كتابة هذه الأسطر. والآن، وبعد أربعة عقود من المحاولة الأولى، أشعر أن هذا الاتجاه الذي شققت الطريق إليه لا يقتصر على الطب، بل يجب أن يشمل كل حقول المعرفة الإنسانية، لذا قمت بمشروع حفر جديد للتعامل مع أحدث المعلومات التي تتدفق إلى السوق الفكرية، وهي أنه ليس (الطب فقط محراب للإيمان)، بل علم الذرة والفيزياء النووية، البيولوجيا وعلم الخلية الحديث، الكروموسومات، واكتشاف الشيفرة السرية للخلق العام، ومنه الإنساني، حيث تتفجر الثورة العلمية الحديثة في القرن الحادي والعشرين، علم النفس الإنساني في مدرسته الجديدة التي طورت ما يعرف بعلم النفس الإنساني، بعيداً عن فهم الإنسان كدفعة غريزة، أو آلة، بل ككائن فريد متميز.
كانت محاولة الكتاب هي في استيعاب الإعصار العلمي، وصدمة الحداثة، تلك التي دخلت العالم الإسلامي، وأحدثت ما يشبه فقداناً في التوازن الثقافي.
أردت أن أقرأ الطب في ضوء القرآن، واستخرج عجينة جديدة بين العلم والإيمان. (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) (المجادلة 11).
فهمت أن العلم والإيمان هما وجهان لعملة واحدة، بل أردت أن أقلب العلم إلى إيمان، والإيمان إلى علم، وفي اللحظة التي يتم فيها هذا التحول، سيحصل في تاريخ العالم ما حصل في اكتشاف اينشتاين للعلاقة بين الطاقة والمادة، حيث يتم تحول الطاقة إلى مادة وبالعكس.
إن الطاقة ليست إلا إحدى صور المادة، كما أن المادة ليست إلا طاقة مكثفة، وهذا الفهم لطبيعة الكون، بل إن نقص هذا الفهم عند الشيطان سابقاً هو الذي أودى به إلى اللعنة الأبدية، حين احتج بتميزه أنه من طاقة وأن آدم (مادة)، وفي الحين الذي نصل فيه إلى معادلة من هذا النوع، سيتوقف الصراع بين العلم والدين.
من هنا نفهم ما معنى أن القرآن يقرن في كثير من آياته بين العلم والإيمان، أو يشير إلى أن الذين يحملون العلم يعرفون أن ما جاء في القرآن حق، فتخشع قلوبهم له.
(ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد) تماماً كما يبذل العلماء الآن جهودهم في فهم القانون (التوحيدي) الذي ينتظم الكون، والذي قضى فيه اينشتاين العشرين سنة الأخيرة من حياته، لدمج قوانين الكون الأربعة الرئيسة، وهي الجاذبية، القوة الكهرطيسية، قوى النواة الضعيفة، قوى النواة القوية.
هذه المحاولة (معادلة العلم - الإيمان) لم تخلص من الزوابع بعد، ولم ترسو هذه السفينة الجديدة العجيبة على شاطئ السلامة بعد، فنحن في صدد إرساء توازن جديد أو هكذا أزعم.
هذا التوازن الجديد هو رؤية المعرفة في نور جديد، ويجب أن نكون حذرين جدا من مصطلح أسلمة المعرفة، فليس هناك علم إسلامي ومسيحي ويهودي وبوذي.
ما نريد بهذه المقاربة الجديدة وضع العلم في إطاره الفلسفي الملائم، ضمن الفكر والفلسفة الإسلامية، لا حصراً وحبسا، بل فهما للعلم ضمن هذا الإطار الفلسفي؛ أي أننا في صدد إرساء العلم من خلال فلسفة العلم.
في عالم النبات، يحصل شيء مثير عند تطعيم فرع على أصل، ما يحدث هو أن الفرع ينمو فيمتص النسغ والدفع من الأصل، إلا أن الحيوية تبقى للفرع، والثمار تخرج من الفرع شاهدة عليه، ليست ثماراً غريبة أو ثمار الأصل، بل ثمارأً غضة فتية من الفرع ونوعه.
إن (محمد إقبال) الفيلسوف المسلم فعل هذا الشيء أثناء احتكاكه بالحضارة الغربية، لأنه أخرج ثماراً يانعة إسلامية من عصارة الفكر الغربي؛ فأبدع كتابه (تجديد التفكير الديني في الإسلام).
نحن نريد أن نعرف ما يجد في العالم من ثمرات، ليس فقط من أجل التعرف عليها، بل حتى نحقق وظيفة ( الشهادة)، لأن الشاهد في أية قضية يجب أن يكون حاضراً واعياً للواقعة، كما قال القرآن (لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية) (الحاقة - 11)، بل يجب أن نهيئ أنفسنا للقفزة الأخرى، وهي ليس (لحاق) الآخرين، بل (تجاوزهم)؛ أي القيام بعمل ريادي في فضاءات المعرفة، مع الانتباه إلى أن تجاوز شيء ما يعني معرفته والوصول إليه قبل تجاوزه، لذا فالعلاقة مع العالم يجب أن تقوم على إدراكه، وإدراكه يجب أن يتم من خلال معرفته، وهذا اللون من المعرفة ريادي أيضاً، لأننا يجب أن نخترق العلم وفلسفة العلم ثم إرساء معرفتنا الجديدة.
* خالص جلبي مفكر و كاتب سوري
أين يقف العلم اليوم: النظرة العلمية الجديدة
منقول
بقلم د : خالص جلبي
__________
مر العلم الجديد منذ مطلع القرن العشرين بسلسلة من الثورات والتحولات المثيرة، حيث تغيرت صورة العالم القديم والفكر القديم، وحالة العلم اليوم ليست في سرعة بل تسارع؛ فهناك تدفق مخيف لكم المعلومات، يحدث انقلابا نوعياً مع كل تراكم كمي جديد، على النحو الذي شرحه العلامة ابن خلدون قديماً، من أن التراكمات الكمية تقود في النهاية إلى تغير نوعي، وهو انتباه رائع دشنه في القرن الثامن الهجري، حين كانت الحضارة الإسلامية تنام على هامش التاريخ، ويضربها شلل اللافعالية.
لقد تمت اختراقات رائعة ومذهلة لفضاءات جديدة، قام بها العقل الإنساني بعد أن بدأت الحضارة الإنسانية تدخل طوراً جديداً؛ فلم تعد أوروبية أو صينية. وكان هذا تدشينا هائلاً وصلت إلى أعتابه البشرية.
والمثل على هذا، تطوير السلاح النووي المشؤوم الذي توصلت إليه أمريكا في مختبر (لوس آلاموس)، فلم يكن أمريكيا محلياً، بل كان نتاجاً عالمياً بالدرجة الأولى، حيث عمل في المختبر تيللر الهنغاري، وإنريكو فيرمي الإيطالي، وكيستاكوفسكي الأوكراني، وأوبنهايمر الأمريكي، وفوكس الألماني وستانسيلوف أولام الروسي... الخ.
لكن العلم، منذ أن كتب راسل كلماته عن العبثية ومستقبل الإنسان في عام 1902، مر بسلسلة مثيرة من الانعطافات النوعية، حيث وجهت ضربات مزلزلة إلى النظرية المادية القديمة.
كانت الأولى إلى المعقل الرئيس حقل الفيزياء، على أيدي مجموعة من رواد القرن العشرين، مثل آينشتاين ونيلز بور وفيرنر هايزنبرغ وأوتو هان وكارل فريدريك فون فايتسكر وهانس بيته وأوبنهايمر وانريكو فيرمي ولورانس وإدوارد تيللر وعشرات سواهم، حيث تم وللمرة الأولى في تاريخ الجنس البشري، الدخول إلى فهم أعمق للذرة، وبالتالي المادة والوجود المادي.
ثم أمكن إحداث انقلاب نوعي في إمكانية شطر الذرة على طاولة أوتوهان المتواضعة، وبذلك شطبت المسلمة القديمة (الآتوم) تلك الترجمة اليونانية للفظة الذرة، حيث لم تعد الذرة بعد ذلك الجزء الذي لا يتجزأ، بل أصبحت (الجزء الذي يتجزأ بدون نهاية على ما يبدو)، وللدخول إلى فهم أعمق للبناء الذري، وقفت فيزياء نيوتن عقبة في الطريق من خلال مفهوم (الزمان والمكان المطلقين)، فلم يعد هناك زمان مطلق أو مكان مطلق، بل يوجد (متصل الزمان والمكان)، وهو مصطلح جديد طرحته النظرية النسبية، التي طورها أينشتاين من خلال النسبية الخاصة والنسبية العامة، كلا على حدة في عامي 1911و1916 الميلاديين، وبذلك أمكن فهم الوجود بشكل انقلابي جديد، وترتب على النظرية النسبية أمورا تأخذ بالألباب، حيث أمكن فرز علاقة جديدة بين الطاقة والمادة، حيث صيغت علاقة الطاقة بالمادة على أن الطاقة والمادة هما صورتان لحقيقة واحدة، بل والدخول لفهم أو محاولة فهم قوى الوجود كلها ضمن قانون توحيدي واحد، حيث تنتظم الوجود الآن أربع قوى عظمى، وليس قوة واحدة، هي القوة الكهرومغناطيسية (بعد دمج الكهرباء والمغناطيس على يد ماكسويل في معادلة واحدة)، والجاذبية وقوى النواة الضعيفة والقوية؛ وبذلك أمكن الدخول إلى فهم قوانين الوجود الكبرى، وهذا يعني هدم جذري للبنى الفيزيائية التي سادت العصر السابق، مع كل ذيولها الفلسفية التي فسرت الوجود بالمادة البكماء العاجزة التي تفسر كل شيء حولها بما فيه الحس والعقل.
كذلك عجزت فيزياء نيوتن وأفوغادرو، وكيمياء لافوازييه وغيرها، عن تفسير البناء الذري، مع كومة المعلومات الجديدةـ مما عجل بتطوير (ميكانيكا الكم) الذي دشنه ماكس بلانك وفيرنر هايزنبرغ، وهي التي ترى أن عملية امتصاص أو ابتعاث طاقة ما لا تتم جملة واحدة، بل على شكل مراحل وموجات (طاقة)، كل منها عبارة عن حزمة من الطاقة تسمى (الكم).
ثم الطرح المرعب لنظرية اللا يقين في الفيزياء النووية، التي تمخضت عن نظرية ميكانيكا الكم، حيث لا يمكن معرفة، وبنفس الوقت، مكان الإلكترون وسرعته، حيث تشكل كل من ميكانيكا الكم في العالم الأصغر، والنسبية العامة في الكون الأكبر،المحاور الرئيسة للفيزياء الحديثة.
وتولد من هذا المزيج عالم جديد لم يره إلا جيلنا، حيث وصل العقل البشري إلى سقف القوة، إلى تملك قوى النجوم ولهيب حرارة الشمس بملايين الدرجات، كله بفضل الانقلاب النوعي العلمي، ودخول عالم جديد لم تعد فيه القوة العارية والفظة هي أسلوب الحوار، بل دخل الإنسان، وللمرة الأولى في تاريخه، منحى جديداً لبناء عالم جديد سلامي.
وبالطبع، هذا الحديث لنا عودة تفصيلية إليه فيما بعد، وهناك الآن عاصفة فيزيائية جديدة ليست في مستوى الذرة، بل في مستوى (الجزيئات دون الذرية)، حيث اعترض الكونجرس الأمريكي، قبل فترة، على مشروع يكلف (14) مليار دولار للوصول إلى المزيد من المعلومات حول الجسيمات متناهية الصغر، والتي تتكون منها جزيئات الذرة، وذلك من خلال تسريع الجزيئات الذرية في نفق خاص، ثم صدم هذه الجزئيات بعضها ببعض، لتحصيل ركام ينبئ عن مكونات دون جزئية أصغر مما هو معروف حتى الآن.
لقد وصلت العتبة الذرية، في الوقت الراهن، إلى مستوى الكوارك الذي يشكل ثلاثة منه بناء البروتون، الذي يشكل بدوره؛ أي البروتون مع النيترون، نواة الذرة، بعد أن عرف أن العالم الأصغر يمتد في صغره، أكثر مما كان متصوراً، من جسيمات الذرة وتوزيعها بين الإلكترون والبروتون والبوزيترون والنيترون.
والسؤال إلى أين ستمضي الرحلة في العالم الأصغر؟ وهل هناك عتبة سيقف أمامها العلم، أم أن التناهي في الصغر ليس له حدود تماماً؟ كما هو الحال في العالم الأكبر؛ عالم الكوسمولوجيا؟!.
هل ستمضي الرحلة باتجاه اللانهاية التي نعرفها في الأرقام، والآن نراها في العالمين الأكبر والأصغر؟؟
هذا هو طرف من طبيعة التحديات التي تواجه العلم الإنساني والعقل الإنساني.
لقد ذكر القرآن آيتين في المطلق عن مصطلح (كلمات الله)، سنذكرها بعد قليل. والقرآن الكريم له مصطلحاته الخاصة به، والتي تكرر نفسها وتعمق مدلولها بين الحين والآخر، وتتشابك وتترابط لتشكل بنى فكرية خاصة به، حيث يجب فهم القرآن على هذه الصورة الطبوغرافية التركيبية، وليس بالشكل المتناثر والذرات التائهة، التي لا يضمها خيط ولا يجمعها نسق، ولا ينتظمها قانون، وهو ما أشار إليه القرآن في لفظه (عضين)، (كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين)؛ أي أجزاء مقسمة وأعضاء مقطعة وأشلاء متناثرة.
نذكر مثلا في هذا، من عالم الكوسمولوجيا، عبارة (وجعلنا سراجاً وهاجا)، في حين جعل القمر (نورا)، مما يحمل إمكانية أنه متلق الضوء (وجعل فيها سراجاً وقمراً منيرا). أو في البيولوجيا تكرار السمع قبل البصر دوماً (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا)، (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون)، حيث يتقدم السمع على البصر دوماً، حيث إن الذي يولد أصما لا يستطيع النطق وتحصيل العلم، خلافاً للأكمه الذي يولد أعمى أو يصاب بالعمى في سن مبكرة، فهو يستطيع التحصيل العلمي على ما نعرف.
أو في السيكولوجيا، الحقل النفسي، حيث يشير بشكل دقيق إلى (إتقان العمل). القرآن لا يركز على كثرة العمل، بل على العمل المتقن (ليبلوكم أيكم أحسن عملا)، سواء في معرض الموت والحياة أو ترسيخ القيم الأساسية في الحياة (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا)، (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور).
أو في المستوى السوسيولوجي الاجتماعي، عندما يتكرر مفهوم التحرير من الخوف جوعاً، والأمن الاجتماعي (أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)، قريش (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون).
أعود لذكر الآيتين؛ فالقرآن يترك العنان مطلقاً للتصور بين كمية هائلة من الحبر (المداد)، هي ليست في مستوى البراميل أو الأطنان، بل أحواض الحبر هذه ليست حتى بحرا واحدا، بل هي الأبحر السبعة للعالم، بل حتى لو تكررت (ولو جئنا بمثله مددا)، كما لو أن الأشجار الموجودة في العالم، لو أرسلت لمصانع إنتاج الأقلام وأخرجت أقلاما،ً تغطس في هذا المداد العجيب، ثم بدأنا في كتابة القوانين والسنن التي تنظم هذا الكون (كلمات ربي) مثل:
ـ الطاقة تساوي المادة المتحولة مضروبة في مربع سعة الضوء.
- الجينات التي تشكل الشفرة السرية للخلق هي ثلاثة مليارات، لا تستخدم كلها في التشكل الخلقي.
- الخلايا العصبية في الدماغ تتنضد فوق بعضها البعض في ست طبقات، تعتبر أعلاها مركز النشاط الواعي، وعددها مائة مليار، وهي الخلايا الهرمية.
- المجرة التي نعيش فيها تحوي من النجوم، من مثل شمسنا، أو ما هو أكبر حجماً، وأشد حرارة، وأعم سطوعاً وتألقاً، ما يصل إلى مائتي مليار نجم.
- يعتبر الفيروس حلقة الوصل بين الجماد والحياة، ولا يرى إلا مكبراً وبعشرات الآلاف من المرات.
- يبلغ طول الأوعية الدموية في الجسم الإنساني حوالي مائة ألف كم.
- إن حظ المصادفة من الاعتبار يزداد وينقص بنسبة معكوسة، مع عدد الإمكانات المتكافئة المزدحمة.
أقول، سوف تنتهي الأقلام وتفنى، وسوف يجب الحبر وينضب، وتبقى كلمات ربي لا تنتهي (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي)، (ولو جئنا بمثله مدداً)، (ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم، ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير). وبعد، فهذه غرفة أولى وجرعة بدائية لهذه الرحلة المثيرة، مع العلم في خطواته الجريئة الجديدة.